سهدت في تلك الليلة المقمرة الخلابة سحراً وإبداعاً.. وقام بزيارتها القمر وأضاء نوره المشع الساحر شعاعاً، تلألئت النجوم وعزفوا سيمفونية ترانيم الأمل لتصعد وتملأ أركان السماء، كي يحتفلوا معها في ليلتها الحزينة، حتى يروها أنها ليست وحيدة،
ولكنها تنهدت من أعماق الفؤاد لتحدث زائريها بالسماء،:
- ليلة ميلادي قد أرهقتني حتى قضيتها في أسى ودمع تنهدي، وعادت بي ذكرى أمسي حتى تناسيت حزني وأماني وأحلام غدي، كم وددت لم تزورني ليلتي أو لم يأتي بعد يوم مولدي.
- وكم حلمت بالمحبة لأهدي الدنيا جمالاً وعطراً، وحتى إذا ماداهمتني ريح هوجاء، وتطايرت أوراقي البيضاء في الفضاء، أعود من جديد إلى حضن الأرض لأنبت من جديد حقولاً وسنابل من الحب تمتد على مساحات أرض جرداء يملؤها الجفاء.
لأبقى في كُتب الخلود ذكرى، وفي شذا عطر البراءة عَبقاً، وداخل ذاكرة المحبة عُمقاً، فياليتني أكون.
- ولكن الأرض التي نمشي عليها أصبحت اليوم تلوّث الجذور الأصيلة، والقلوب البريئة، والسماء التي نتفيء تحت ظلالها تمطرنا كل حين بالنوائب والهموم التي تحني الرؤوس!!
لقد تحول كل ماحولنا إلى سحابٍ ملئ بالشوائب والسموم التي تنفثها الصدور الحاقدة، والقلوب المريضة، والألسن العابثة التي أحرقت بنيرانها الجمال والبراءة فأمسيا أشلاءً فانية، متبعثرة على حواف الأيام والأزمنة، فاندثرت في جوف الكون كأنها لم تكن يوماً من صروح الحياة.
- ولكن مرت بي الذكرى كسيف مسلول غمد سنه الطاعن في الأفئدِ.
فهل هي ذكرى أيام، عام، أم الأعقدِ!؟
هل هي عقدي الرابع، الخامس، أم السادس!؟
لا يهم كم مضى من عقود الدهر، إنما هي أوراق قد سقطت من مواثيق العمر.
وهل يعقل أن يكون عهد الحُب في ذكرى مولدي غصة في مشوار حياة بدأت لتأخذ قطعة من فؤادي ؟!. أنها حنوطي وأكفاني، ومن روحي صِدق إحساس ينوء بثغري الصامِت !.
فما أضاء يوماً كفيه نوراً بدربي، وما رحمني من حب بخيل كسول بعثر أشلائي.
كيف أزيل اليأس هذا، ونور الحب بقلبي بدأ يتلاشى ليرقد في أعماق روحي وذاتي!؟،
كيف تترنح روحي وأنا أرى خيوطاً تسحبني نحو معبد لا أرى فيه غير سواد الرهبان، فتهوى نفسي جراحها بعد أن مَحوت بحبه آلام سنيني.
- آه... لو سمع أنيني لَما هوى رعد قسوته فوق برق أجفاني، وأحرق دمعة جفت، فناح اشتياقي وهيامي.
*سمعوا أنينها زوار ليلتها الحزينة وبكوا معها، ظنوا أنهم بزيارتهم لها سوف يرسموا البسمة والسعادة على وجنتيها وقلبها. ليقولا لها:
- لا تحزني فغداً تشرق شمس زهورك، وحروفك اليانعة التي كم ملأت بساتين القلوب وأسعدتي بها الكثير والكثير، لا تحزني فنحن معك نحتفل بيومك الجميل، لست وحدك...لست وحدك.
فابتسمي.. وتألقي، تألقي كعادتك ولا تهتمين بمن رحل وولى.. انظري لمن أحبك وراعاك في آلالامك، لمن وقف بجانبك وقت احتياحك، ولا تأبهي بمن تركك عارية من المشاعر والأحاسيس، تركك تصارعين وحدك أمواج الأنهار غارقة تنزفين، تركك تبكين دون أن يتأثر جفنه اللعين، هذا لا يحبك ولا تعنيه. وتلك هي الحياة نلتقي بأناس، ونظن أن حياتنا دونهم لن تكون، وفجاءة لا نجدهم بجوارنا، ويختفوا كما تختفي الغيم بالكون.
أفيقي ولا تحزني على سراب ليس موجود، وماء مسكوب.. أو إناء مكسور،
حلقي وتألقي وانثري إبداعك لذاتك وكل محبيكِ، وان أخذ القدر من حياتك فرداً، عوضك أفراداً.
وأعلمي جيداً أنه كم جميل أن نرى الضوء يملأ المكان، وكم هو رائع أن نشعر بأن الأمل يدور حولنا، وكم هو ممتع الأحساس بأن غداً أجمل،
ومن يشعر بأنه لا يرى نور النهار، فماذا يرى إذن، وماذا يدعوه لإنتظار القادم على عتبات الحياة.
ويجب أن نثق بأن طيور الأمل سترفرف بجناحيها على طريق القادم. وكم جميل بأن يكون الطريق الذي نراه أمامنا مشرق، وطموحنا أن نمشي ساعات وساعات على طرقات الأمل.
ومن لا يرى بأن ضوء الأمل قادم في غدٍ مشمس، في غدٍ قادم، ووعد صادق أتٍ، وحلم يطير بأمانينا الحالمة، في غدٍ يخافه الكل ومن طيات صفحاته المجهولة. ومن لايرى الأمل في غدٍ قادم،
يجب أن يرسم الأمل بيديه، فلن يستطيع أحد رسم القادم أجمل منك سواك.
ونحن على عتبات الزمن، نقف ونرى طريق يكاد نوره يفجر معه حكايات ورسائل الآتي.
ولذا يجب أن تجعلي عينيكِ ترى النور الذي بداخلك، ويديكِ هي التي تُحيك وتنسج رداء حلمك القادم.
ويجب أن تري ضوء الأمل في الغدِ القادم.
* سمعت كلماتهم والعين ملأتها الدموع لأجيبهم في هزل من الضلوع موجوع:
- غداً تجف زهور الحب بقلبي، وتبقى عطورها ذكرى، والهوى غصة في فؤادي.
وتسللت دمعة من عيوني على حين غرة وخرجت، والدمع من أخبث الأشياء، فما إن تهرب واحدة حتى يتبعها جميع من هم رهن الاحتجاز، وتتساقط الدموع واحدة تلو الأخرى، والغصة التي من المفترض ان تتلاشى بعد انفلات الدموع، أصبحت أشد قوة و إيلاماً من قبل.
ركضت إلى غرفتي وأنا أبكي، كنت بحاجة لمن يمسح دموعي، ويقوي ضعفي، ويشدُ أذري.
إنه لمن الصعب أن أعود كي أكتب بعد كل تلك العواصف والرياح والرعود والبروق التي برقت على أشرعة عمري.
ويبدو أن ما في قلبي كبيراً وحزيناً، إنما عليّ أن أكتب أو أن يُحكى قلمي.
فكلما بدأت سطراً سبقتني دموعي، و تثاقلت نبضاتي ، أشعر و كأنني كلما كبرت عاماً زادت الأثقال وأحمالّ قلبي قد كَهُلت.
وكم كنت أتمنى بأن أحتفل بذكرى مولدي.. إحتفالاً اسطورياً أسعد فيه من أعماق قلبي.
- ولكنكم اليوم أسعدتموني زائريَّ الأحباء،
وأقمتم أحتفالاً حقاً اسطورياً بالفضاء، أزال من روحي الشقاء ومسح عن مُقلي البكاء، وكُنت أتمنى ذلك بشكل يزيل عن روحي الوجع والعناء..
يبدو أنه لازمني الأرق و الهبوط في ضغطي وأوردة دمائي، مثلها كمثل كَل الأشياء التي تعثرت معي عندما فشلت في النهوض مجدداً ..
لأنه ليسَ حُزني فقط، لكنني أفتقد و أحتاج رفيقاً لدهري باعني وأبكاني، خذلني وكان الوحيد ظننته الباقي لي.
و بهذا الرحيل لا أكاد أشعر بالحياة تواسيني،
الكثير والكثير يثقل قلبي و أصبحت لا أشبهني ..
أتطلع في صورتي على المرآة فلا أكاد أعرفني ..
- أتعلموا أيا زائريَّ الأحباء !!
ما هو الذي يؤلمني أكثر، هو.. أنني حاولت،
حاولت بكل استطاعتي أن أخفي ألمي و حزني،
وأن كُل من رآني سألني : “ أأنتِ بخير ؟!“
و أنا أسأل المولى أن يغفر لي ..
عندما أكذب و أقول مبتسمة : “ نعم بخير بخير ”.
#حنان_أبوزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق