الأربعاء، 6 مايو 2020

القصة القصيرة... دعاء يرفع البلاء .. من إبداع الأديب/أ.د محمد موسى

♠ هو أستاذاً جامعياً مثقفاً ومتديناً بفهم ، وقد إشتهر بين زملائه في العمل وبين جيرانه في السكن بأنه طيب المعشر كريم الخلق ، لا يقصده أحداً في شئٍ إلا وجد عِندهُ مقصِده بلا عناء ، وظلت أيامه تتنقل من خير إلى خير حتى شعر في يوم من الأيام أنه مريض ، ولزمَ الفراش وجاءه الطبيب وهو كذلك صديق له ، وقال له أنه يشك في أمر ما لا يُحسم إلا بإجراء التحاليل ، وتم فعلاً عمل العديد من التحاليل وحملها إلى طبيبه الذي هو في الوقت نفسه صديقه ، لذلك فهو يثق فيه وفي علمه وبشده ، وعندما أخبره طبيبه أن التحليل تقول أنه مريض بالسرطان ، ومنذ سنوات ودون أن يدري فهذا المرض من النوع الصامت ، والمرض الأن عنده في حالة متقدمة ، مما يتطلب منه سرعة إجراء عملية جراحية غاية في الخطورة ، ورشح له بما أنه ميسور الحال إجرائها في أكبر مستشفيات إنجلترا ( لندن كلينك ) ، حيث كان يعمل فيها من قبل وله أساتذه فيها يثق في علمهم ، وسوف يتصل بأكبر أستاذاً له في هذه المستشفى ويرسل له نتائج التحاليل ليطلعه على الحالة ، وفعلاً ذهب إلى إنجلترا ورغم تحاليله قامت المستشفى بعمل ذات تحاليل له مرةً أخرى للتأكد من النتائج ، وفعلاً أخبرته المستشفى بمطابقة التحاليل في مصر مع التحاليل في لندن وخطورة الحالة ، ولأنه أستاذاً جامعياً فكان لابد من مصارحته بخطورة العملية فهذه هي عادة في المستشفيات الإنجليزية ، وأخبره طبيبه أن نجاح مثل هذه العمليات عادةً لا تتعدى نسبتها عن 10% ، وهنا تذكر أن بعض أصدقائه قد ترك عنده أمانات كذلك له إلتزامات عليه في مصر فطلب من المستشفى الرجوع إلى مصر لرد أمانات للناس عنده وترتيب بعض الأمور ، فلا يريد أن يلاقي ربه ووراءه مشاكل للأخرين ، ووافقت المستشفى على أن يعود بأقص حد بعد أسبوعين ، وأعطته بعض الأدوية كمسكنات وطُلب منه ألا يتأخر ، وإذا تأخر فلا داعي أن يأتي ويبقى في بلده ، ورجع إلى مصر وذهب إلى بلدته في دلتا نيل مصر لرد ما للناس عنده وترتيب بعض المتعلقات الخاصة به ، وذهب إلى طبيه والذي هو صديقه ليعلمه ما حدث معه ، وبينما هو ينتظر خروج مريض من عند الطبيب نظر من نافذة العيادة إلى الشارع ، فإذا به يجد شيئاً غريباً ، عند محل الجزارة المواجه للعيادة إذ إمرأة عجوز تغالب قطط الشارع ، المحيطين بالمكان الذي يقوم الجزار بتقطيع وتنظيف اللحم ولفه للزبائن ، حيث يقوم الجزار بإلقاء بعض من فوائض تنظيف اللحم للقطط ، فإذا بالدكتور المريض يترك العيادة فجأة ، وبلا سبب وينزل ويذهب إلى السيدة العجوز التى إنحنت على الأرض وتغالب القطط في جمع بقايا اللحم ، وسألها لماذا تفعل ما تفعل وعن حالها ، فأخبرته والدموع في عينها أن إبنها مات وترك ثلاث بنات ، ثم ماتت بعده بقليل أمهم فأخذتهم الجده فى غرفتها الفقيرة ، وهن لم يأكلن اللحم منذ عيد الأضحى عندما جاء من الجيران لها لحم وذلك من شهور ، وليس عندي من المال ما أحضر لهم به لحم وهم يسألونني دائماً لماذا لا تأتي لنا بلحم ، فقمت بما تراني أجمع لهن فضلات اللحم ، وكنت قد طلبت من الجزار أن يجمع لي هذه البقايا ولا يلقيها على الأرض ، فقال لي تعالي آخر النهار وأنا لا أستطيع السير ليلاً لضعف نظري ، فإذا به يبكي ويأخذ بيدها إلى الجزار ويطلب منه أن يعطيها لحماً ، وأعطاءه ثمن لحم تأخذ منه كل يوم كيلو لمدة سنه ، ولأن الجزار يعرفه ويعرف صديقه الطبيب صاحب العيادة المقابله له ، فقد قال له وبعد السنه مني لها ما دام هذا المحل مفتوح نصف كليلو تأخذه يوم بعد يوم بلا ثمن ، وفرحت المرأة وأجهشت بالبكاء ورفعت يدها إلى السماء تسأل الله له الستر في الدنيا والأخرة ، ودعت له المرأة ، ومما قالته دعاءً أن يمنحه الله الصحة والعافية ولا يصبه في بدنه بداء ، ثم تركها وأعد نفسه للرجوع إلى المستشفى في لندن كما إتفق مع طبيبه الإنجليزي لإجراء العملية ، وسعد الطبيب بعد أن حضر مسرعاً ، وطلب تجهيزه للعمليه بإجراء التحاليل الأخيره للحالة ، ولما إجريت له التحاليل وهو يجهز للعملية إذا وجد طيببه شيئاً غير معتاد في مثل حالته ، فقد فوجىء أن الأورام السرطانية قد أوشكت على التلاشي من جسده ، فقارن التحاليل السابقة بالحالية ، ثم صاح هناك شيئاً غير متوقع فأعادوا التحاليل مرات عديدة ، فكانت النتيجة فى كل مرة سلبية بالنسبه للإصابه ، فسأله طبيبه ما أخذه من أدوية عند سفره لمصر ، فأخبره لا شئ إلا ما كتبته لي ، فقال له هناك نتيجة غير متوقعة ومعها سيتم تأجيل إجراء العملية لمدة عشرة أيام تبقى معنا هنا في المستشفى للملاحظة ، وخلال الأيام العشرة كانت تأخذ منه عينات للتحاليل وفي كل مرة تؤكد النتائج تلاشي السرطان ، مما دفع طبيبه بإبتسامه له وإخباره أنه الأن سليماً 100% ، مما أصبحت معه العملية غير ضرورية ، فعاد إلى بلدته بيقين أن دعاء المرأة هو بفضل الله سبباً في الشفاء ، فظل يبحث عن تلك المرأة التى دعت له ليكافئها فلم يجدها ، وذهب إلى الجزار يسأله عنها فأخبره أنها من يومها لم تأتي وهذه فلوسك التي أوقفتها لها ، فظل يسأل عنها حتى وصل إلى البيت التي تسكن فيه ، وعلم أنها ماتت من عشرة أيام ، وسأل عن البنات فعلم أن إحدى الجارات أخذتهن عندها ، فذهب لها فوجدها سيدة تبدو الطيبة عليها ، وعلم منها أن جدتهن توفت وليس لهن أحد يذهبن إليه ، فأخبرها هل تستطيع العناية بهن وكل المصاريف الكافية لهن تأتي لها كل شهر ، وكل الإحتياجات الخاصة بهن هو متكفل بها ، وسوف يضع لكل منهن في البنك مبلغاً من المال لكي تنفق منه عند زواجهن ، وهذا حق جدتها عليه وإذا كان على قيد الحياة فهو وكيل كل منهن عند زواجهن ، فشكرته السيدة وأخبرته أنها رقيقة الحال وكانت تقول رزقي ورزقهن على الله ، فالله يعطيك من فضله ما يغنيك عن خلقه ، وطلب منها أن يزورها والبنات كلما حضر إلى بلدته ، فقالت له كما كل المصريين الطيبين البيت بيتك يا إبني ، فحمد ربه وعلم أن العمل الطيب الذى فعله في المرأة العجوز جدة البنات كان هو العلاج ، فذهب إلى بيته وأول ما فعل سجد لله شكراً وظل يردد سبحان من جعل الدعاء يرفع أي بلاء.

♠ ♠ ♠ ا.د/ محمد موسى

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

أَبنائي الأَعزاءُ شُكرًا.. بقلم الأديبة د. حنان أبو زيد

أَبنائي الأَعزاءُ شُكرًا...  لِـكُلِّ مـا قَـدَّمتُموهُ لَـنا مِن أَلمٍ وَعَناء شُـكرًا لِـجَرحِ قُـلوبِنا بِـجَحدٍ وسخاء وَلِـكُل ما نُلناه...