لم تكن هذه المرة الأولى التي تصعد فيها سلم الطائرة... ولكن هذه المرة شعرت بوجس شديد وغربة أكثر من المرات السابقة.
فمنذ زمن بعيد وهي تترحل بين أمالها وواقعها حتى فُنيت سنوات عمرها من أجل إسعاد الأخرين وتحقيق أحلامهم!
تتمتم داخلها همساً:
_ وماذا بعد عن أحلامي أنا.
لكنها في هذه المرة، ومع غروب شمس دامعة، تودع حبيباً أنانياً ظالماً أضاء في حياتها شموع الأمل وأيقظ بهمساته الأنثى الكامنة بداخلها.. ثم سحب في لحظة ما، كل نور الحياة وأطفئ تلك الشموع بقلبها بكل قسوة وجبروت ولم يهتم بمن منحته من حنان وعطاء الكون بأكمله.
توقفت في منتصف سلم الطائرة لتملأ صدرها بهواء وطنها قبل أن تغادر وهي تحدث نفسها:
_ آه أيها الحبيب المخادع كيف ملكتني كيف أنعشت ركود مشاعري ورغباتي، وياتُرى أأغادرك الآن ، أم أنت الذي غادرتني بعد أن عجزتَ أن تكون دفئي وسندي ، وألجئتني إلى معاودة الاغتراب من جديد، ولكن هذه المرة أغترب بغربتي الأخيرة ربما رحيل بلا عودة، كان لقائنا حلم كفراقنا.. حلم من، لا أدري؟! ولكنه قدري.
تكمل صعودها بخطوات سريعة تريد الرحيل بأسرع ما تكون لتسابق نبضات قلبها وكأنها تتمنى أن يكون لها جناحين بدلاً من أجنحة الطائرة كي تحلق بلا رجوع، ولا تزال كلماته القاسية تتردد داخلها:
_اذهبي فلن أستطيع أن أكون فارس أحلامك ولا سند لكِ بالحياة، نعم كنت مخادعاً معكِ ارحلي ولا تعودي ثانياً من أجل حلم لا يستحق أن تناضلي من أجله ومن أجل أن تحتفظي به فلن يكون بيننا حياة عائدة بعد اليوم.
كنت أنانياً أبدل النساء كما أبدل أشيائي اليومية... نعم هذه هي حقيقتي التي خُدعتي فيها بمظهري البرئ وملامحي الطيبة.. انا لست إنسان نعم بل شيطان... أصطاد فريستي بحرفية إلى أن تقع في شبكتي وعالمي.. ثم أمل منها.. واختلق الخلافات عندما ألمح دماً جديداً يُرضي رجولتي وغروري..
ها أنا قد اعترفت لك بكل شئ هيا اهربي من براثني ولا تعودي.. ها أنت حرة الأن بلا قيود.
تتنهد والألم يعتصرها لتحادث نفسها والدمع الأسود يتساقط زخات:
_ أيها الماكر المخادع بلحظة هانت عليك إشراقك ونور عينيك، وإبنة قلبك كما كنت تناديها، ليتني ما عرفتك وليتني ما صدقت وعودك الكاذبة مراراً وتكراراً، دائماً وأبداً لديك القدرة أن تبيع وتبيع أي شئ وأول ما بدأت بيعه بالبخس هو أنا، وجحدت كل عطائي وحناني عليك، وهل الخروج منك هو الحرية أم أنا مازلت سجينة داخل أسوار الوهم..
ثم ترفع وجهها نحو السماء بعيون دامعة:
_ يا إلهي الرحيم لتكن هذه الرحلة الأخيرة فأكتب لي فيها الراحة والنسيان.
ها قد غسق اللَّيْلَ واشْتَكَيْتُ
هَمَّا وأَلَماً بالجسد به بُليت
وما أثمرتُ من الهوىّ وجُنيتُ
غير السقم والعلل وما ارتويتُ
ثم تنظر أمامها فتجد فتاةً جميلة الطلة يتراقص الأمل بين عينيها تستقبلها بابتسامة عذبة:
_ أهلا بكِ سيدتي نتمنى لكي رحلة موفقة بإذن الله.
تجد "إشراق" نفسها على غير عادة المسافرين بدون أن تشعر تمد يدها لتصافح المضيفة كأنها تريد أن تودع وتصافح كل من تصادفه، لتقول لها:
_ ادعو لي أيتها المضيفة الأنيقة.
فتقول لها بوجه مبتسم وكأنها تشعر بأمنياتها الخفية:
_ إن شاء الله تتحقق لكِ السعادة والهناء سيدتي الجميلة.
ثم توجهت الى مقعدها بالطائرة وهي تتمنى أن تتحقق هذه الدعوة، وبعد قليل سمعت صوتاً يقول:
_من فضلكم اربطوا الأحزمة.
فحلقت بها الطائرة في سماء الأمنيات، لتنظر من نافذة الطائرة فترى وميضاً كأنه إنسلخ من ظلمة الغروب لينسج شعاع إشراق يوم جديد، لتسمع همساً دافئاً بجانبها لشاب وسيم يظن من يراه من مظهره وهيئته أنه، (V.I.P) شخصية هامة ليقول:
- أنا أعرفك سيدتي!!، ..
فابتسم وقال: أأنتِ إشراق.
لتبتسم إبتسامة الأمل تنير الشموع التي أطفأها ذلك الحبيب الغادر الظالم، وكأن القدر يربت على كتفها بيد حانية ليهمس لها،:
- لم تتوقف دائرة الحياة بعد ولا الأمنيات وهناك عالجانب الأخر من يستحق حنانك ليحتفظ بكِ، ولا يغادرك.
هكذا نسير بطريق واحد ولكن هناك غالباً حكايتان مختلفتان.
لا تنظر وراءك ولا على ماضي ذهب وأوى،
فالأحلام والأمنيات مازالت ممكنة و أتية.
#الشاعرة_حنان_أبو_زيد
10/4/2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق