الاثنين، 30 أبريل 2018

(( آدم وحواء والفيس بوك ...!! )) مقالة بقلم الأديب الشاعر المبدع دكتور شريف المسيري

إنَّ مواقع التواصل الاجتماعي تحتلُّ الصَّدارةَ في عدد الزَّائرين، ويشغل موقع الفيس بوك حيِّزًا كبيرًا من الاهتمام، وله أثرٌ كبير في المجتمعات لا يستطيع المرء تجاهله، أو التقليل من رواجه في نَشر الأفكار البنَّاءة وأيضاً في نشر الأفكار المنحرِفة، ويرتكز هذا الأثر على توجُّه الزَّائرين ومقاصِد المشارِكين، وفي خضمِّ هذا التباين العَظيم يُعتبر الفيسبوك إمَّا صديقاً حميماً أو عدوّاً لدوداً...!!
للفيس بوك مساوئ ومحاسنُ كثيرة، لا تخفى على مَن كان دقيقَ الملاحظة، شديدَ التَّأمُّل لهذا البحر المتلاطم الذي لا ساحلَ له؛ لذلك خطر لي أن أذكرَ في هذا المقال بعضًا من المساوئ التي لا ينبغي تجاوزُها بغير دراسةٍ واهتمام؛ حتى لا ينساقَ وراءها كلُّ جهولٍ لا يدري، ولا يدري أنَّه لا يدري.
وقد يقول قائل:
 ولِمَ ذكرتَ المساوئَ، وتجاهلتَ المحاسن؟ فأُجيبُه: إنَّ معرفةَ الشرِّ أولى من معرفة الخير؛ كما قال حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "كان الناسُ يسألون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الخيرِ، وكنتُ أسألُه عن الشرِّ؛ مخافةَ أن يُدركَني"؛ رواه البخاري.
وقال الشاعر:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ... ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه.
فلقد أصبح الكثير من الرجال والشباب والنساء والفتيات في عالم من السحر والخيال وهو عالم الفيس بوك يعيشون حلم بأنهم أبطال وعلماء وعشاق وشعراء وتعيش النساء والفتيات حلماً بأنهن سندريلا.
فنحن لا ندمن الفيس بوك بل ندمن أشخاص بصفات جذابة تشبع رغباتنا واحتياجاتنا ولا يجمعنا بهم سواه...
وكل ما افتقدناه في الواقع من مشاعر وحب، وعائلة، وأمان، وسلام، وأمل، وحنان ووو...!!
 كل ما افتقدناه نجده متاح لنا بكل شكل وصنف ولون جذاب في هذا العالم الافتراضي العجيب...!!
وفيه تكون نظرة الناس لك مختلفة فمنهم من يراك جيد ومنهم من يراك رائع وآخر لن يراك وقد تتعرض لمواقف مؤلمة نتيجة ثقتك الزائدة في الأخرين...!!
ولكن عدم وجود أحد تثق به سيشعرك بألم أكبر...!!
إن العبرة ليست أبداً في معرفة الناس وإنما في الاحساس بهم والتعلق بهم والادمان عليهم وكل هذا في هذه الشاشة الساحرة الصغيرة ففيها الاهتمام الذي يصنع الحب شيئاً فشيئاً...!!
ففي داخل كل منا حكاية فريدة إن لم نرويها نحن سوف ترويها حروفنا وكلماتنا وعيوننا وأيضاً سوف ترويها أحداث الحياة.
فالعيون تحكي والقلب يحكي والصمت يحكي لمن يحبك ويجيد صمتك، والابتسامة تحكي والدموع أيضاً تحكي...!!
 ففي الفيس بوك:
لا تترك سندريلا حذاءها للأمير سهوا لا فهي تتركه عامدة متعمدة بكل تأكيد ولا مانع من وجود صورتها ورقم هاتفها أيضاً مع حذائها...!!
وفي الفيس بوك:
لم تمت سنو وايت مسمومة بالتفاحة من زوجة أبيها الشريرة ولم يحزن عليها أقزامها السبعة، بل ماتت مسمومة بقصيدة رومانسية ووعد مخادع وكاذب وشاعر يتبعه الغاووون...!!
في الفيس بوك:
ليلى لا تتزوج وقيس لا يصاب بالجنون فلا وقت لقيس للحلال ولا وقت لدى ليلى للبكاء و الدموع...!!
وفي الفيس بوك:
لا تموت الأشجار واقفة فهم قبل موتها يجردونها من أغصانها وقاماتها وأقدامها...!!
في الفيس بوك:
الكل رومانسي ومتحضر والكل مثقف وعالم متخصص والكل أينشتين ونوبل ونجيب محفوظ وأحمد زويل والكل أبيض والكل نقي والكل جميل...!!
في الفيس بوك:
تَجِدَ بعضَ النَّساء التَّائهات يَدْخُلن بأكثرَ من اسم، يُوافقْنَك الرَّأي باسمِهن الأصلي، ويُخالفْنَك بالمستعار! وكذلك بعضُ أشباه الرِّجال...!!
في الفيس بوك:
الكل رقيق وإتيكيت ويعشق السفر والشكولاتة والصيد والترحال، والكل ثري يملك الشاليهات والفيلات والأموال ومفاتيح خزائنه تنوء بالعصبة أولي القوة.
في الفيس بوك:
الغالب اخفاءُ الشَّخصية الحقيقة، والظُّهور بشخصية مزيفة لا حقيقةَ لها؛ طلبًا للشُّهرة والجاه، أو لخداعِ النَّاس، أو لحاجةٍ في نفس إبليسَ لا يَعلَمُها إلا الله...!!
في الفيس بوك:
الكل فارس والكل شجاع والكل يطالب بالديمقراطية والكل ثوري ومعارض والكل أيضاً وطني ومؤيد.
في الفيس بوك:
تَجِد مَن يُصفِّق لك في العلانية، ويَصِفُك بأوصاف لا تليقُ إلا بابن تيمية والشَّوكاني والكاساني، ويُمزِّقك في السرِّ بأنيابه، ويتناولُ عِرضَك بالذمِّ والثَّلْبِ في غير حرجٍ أو حياء...!!
في الفيس بوك:
لا تتعجب حيث تجد السباك طبيباً والعامل مهندساً والخادمة أميرة والعجوز شاباً أو عكس ذلك ولكل منهم فيما يفعلون مآرب أخرى.
في الفيس بوك:
يعشق الذكر ألوووف الاناث وتعشق الأنثى ألوووف الذكور ويعيش الجميع دور ملكة النحل...!!
في الفيس بوك: 
الكل ضحية العادات والكل ظلمته الظروف...!! وكل ذكر تزوج ابنة عمه رغماً عنه والكل زوجته لا تقدر مواهبه المدفونة.
في الفيس بوك:
تَجِدَ التَّافهة التي لا قيمةَ لها، ولا عنوان على أرض الواقع، تَصولُ وتَجولُ بين رُكام من الذُّكور المُصفِّقين لكلِّ نونِ نسوة.
في الفيس بوك:
كل أنثى زوجها خائن أو مهمل لها ولا يعطيها كفايتها من الاشباع بكل أنواعه وهي الرقيقة البريئة المظلومة معه دائماً...!!
في الفيس بوك:
كل الذكور فحول وكل الاناث عطشى والكل يتراهنون على القلوب والنساء  والأعراض والكبائر...!!
في الفيس بوك:
يَصنَعُ من الجاهل عالِمًا، ومن الغبيَّة مبدعةً؛ كلُّ ذلك بسبب تصفيقات الذين لا يُفرِّقون بين الشِّعر والشَّعيرِ، ولا بينَ الشمس وضحاها والقمر إذا تلاها...!!
في الفيس بوك:
الكذبِ مباح والنِّفاق مباح، والتَّجسُّس لا حرج منه، وتتبُّع العورات، وكشفُ الأسرار تحرر، وإبرامُ الصَّفقات من أجل فضيحة النَّاس مزاح...!!
في الفيس بوك:
كل الأحلام وردية وكل الوعود وردية وكل الحكايات وردية ووحده الواقع هو الأسود الكئيب...!!
في الفيس بوك:
يفشل أصحاب الوجوه الواحدة والقلوب الواحدة في الحفاظ على الكثير ويكونون منبوذون غالباً ورجعيون وغير متحضرون أو بالأحرى معقدون وينجح غيرهم في الكثير...!!
في الفيس بوك:
كلهم شعراء كالمتنبي وأبو فراس والنابغة وأمرئ القيس ونزار قباني وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وجبران وغيرهم...!!
فى الفيس بوك:
العالم كله في جهازك .. في غرفتك .. بين يديك...!!
لكنك لا تخرج منه ولا تملك منه في النهاية غير الأوجاع والألم والأحلام المزيفة...!!
.
بقلم د/ شريف المسيري .

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

أَبنائي الأَعزاءُ شُكرًا.. بقلم الأديبة د. حنان أبو زيد

أَبنائي الأَعزاءُ شُكرًا...  لِـكُلِّ مـا قَـدَّمتُموهُ لَـنا مِن أَلمٍ وَعَناء شُـكرًا لِـجَرحِ قُـلوبِنا بِـجَحدٍ وسخاء وَلِـكُل ما نُلناه...